المدرسة .. ؟؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المدرسة و لكن ذات يوم وجد نفسه فيها .
في ذلك اليوم بالغت أمه بالعناية بهندامه مبالغتها بتأنقها ، و لكم أدهشه اهتمام المارّة و أصحاب الدكاكين و صبيانهم ؛ كانوا يتابعون الثلاثة بعيونهم الجاحظة أو تعليقاتهم الجارحة التي سببت توتر أمه فحثت خطاها و تبعتها أم محمد مهرولة و هي تجر سمير ضاغطة على يده التي حاول الإفلات منها مرارا تحت وطأة الألم و لكن دون جدوى . و عندما هتف صَبِيّان : " أم البونيه* الرقاصة يبعث لها حمّى و رصاصة " نهرتهما أم محمد و شتمتهما ثم تصدى لهما أحد المارة بقوله : " عيب عليك أنت و إياه ، أصبحتم تتطاولون على أسيادكم يا نَوَر ، هذه (عيلة) الأستاذ يا قليلا التربية " فلاذ الصبيان بالفرار .
كان هذا الموقف دافعا لأن تضاعف أمه سرعة خطواتها ، فما كان من أم محمد إلا أن حملت سمير على ظهرها كما اعتادت أن تفعل عندما كان صغيرا و أخذت تهرول وراء أم سمير و هي تلهث ؛ و عندما بلغوا بوابة المدرسة كاد الإعياء يسقطها أرضا أما لسانها فما فتئ يلعن آباء و أجداد هؤلاء السوقيين .
كان كل شيء مدهشا بالنسبة إليه بدءا من بوابة المدرسة الكبيرة بشكل غير معتاد و التي تتضمن باباً أصغر ولجوا منه لتقابلهم حارسة الباب الغاطسة في مقعد متهالك ، منهمكة بنسج خيوط الصوف بصنارتيها بالغتي الطول ، ثم تلك الحديقة الفسيحة بأشجارها الباسقة المتجاوزة ارتفاع مبنى المدرسة ذي الطابقين ، ثم تلك السيدة التي هرعت لاستقبالهم بثوبها الأزرق الزاحفة أطرافه على الأرض و قبعتها البيضاء هائلة الحجم و التي تكبر مظلة والده و التي عرف فيما بعد أن راهبة و يناديها التلاميذ "الأخت Ma Soeur" ، ثم ذلك الحديث الدائر بين أمه و بينها و الذي لم يفهم منه حرفا واحدا لأنه كان بالفرنسية .
و أدهشته كذلك تلك السيدة ذات الشارب – فلأول مرة يرى امرأة بشارب – و قد اكتنز جسمها لحما و طبق شحما ، و التي سحبته من بين يدي أم محمد و قادته إلى غرفة تعج بالأطفال حيث رحبت به (المدموزيل مارتا) و أجلسته في مقعد خال .
(مدموزيل مارتا) هي أول معلمة عرفها سمير ، مرحة ، دائمة الإبتسام ، عندما تتحدث تمثل و تتلاعب بطبقات صوتها بما يناسب المقام ، و حتى عندما كانت تعلمهم الألفباء و الأرقام كانت تنغمها بطريقة يسهل حفظها و كانت تعلمهم أناشيد قصيرة و تحدثهم كثيرا عن يسوع و عن طفولته و معجزاته ، و عن الملائكة و الشياطين ، و عن الجنة و الجحيم ، و عن المخلِّص و الخلاص ، و عن الصلب و درب الآلام ؛ مستعينة بلوحات إيضاحية مناسبة ؛ كما كانت حريصة أيضا على افتتاح اليوم المدرسي بصلاة قصيرة .
لوريس التي تكبره سنا و تفوقه قوة ، كانت تشاركه مصروفه رغما عنه ، كانت تنقض عليه انقضاض صقر على عصفور فتشل حركته بيد باحثة عما في جيبه باليد الأخرى فتنتزع معظمه ثم تلوذ بالفرار .
كانت لوريس من ذوي الياقات الصفراء ، و كان هؤلاء محل ازدراء ذوي الياقات البيضاء ، و لم يكن سمير يعلم سبب ذلك إلا بعد سنة أو تزيد حين علم أن ذوي الياقات الصفراء يدرسون بالمجان إما لأن أسرهم فقيرة أو لأنهم يتامى ؛ و كانوا يُسخَِّرون بتنظيف الساحات و يكلفون بأعمال مختلفة كنقل الكتب و الألواح ووسائل الإيضاح و قرع الجرس الكنائسي إيذانا ببدء و انتهاء الحصص ، كما كانوا يتناولون طعامهم المجاني في قاعة مخصصة لذلك في قبو البناء و لكن كان عليهم أن يخدموا أنفسهم بدءا من تحضير الوجبة و انتهاء بتنظيف الأدوات .
كانت لوريس تسبب له دوما آلاما جسدية و نفسية و كثيرا ما كانت تبكيه ، و لكن بعد عدة تجارب مريرة ، بدأ يتعلم كيف يتحاشاها فيفلح حينا و يفشل حينا و لكنه تعود أن يستسلم حين يجد نفسه محاصرا فيخرج ما في جيبه و يقدمه إليها و لسان حاله يقول :- " خذي ما شئت و لكن كفي عن إيذائي ."
لم تكن لوريس الوحيدة التي آذته فكثير من التلاميذ كانوا يسخرون من طريقة كلامه و لفظه المتميز بإبدال الحروف و خاصة بعد أتساقط عدد من أسنانه ..
و لكن لأمر الوحيد الذي لم تتمكن الصدمات من تعويقه هو قدرته العالية على سرعة التعلم ، فكان يحظى على رضا معلمته ، و على فيض من رضا والديه ، و خاصة عندما يقرأ دروسه بالفرنسية بطلاقة فيمطرانه بالقبل و عبارات الثناء .
•-ذبہحہنہي غہلآكـہ -• ; توقيع العضو |
|