زهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة السهوب وغياهب الصمت..؟؟
كم كانت قلقة حينما رماها السكون في غياهب الصمت المبهم فراحت تستنجدُ بحبر أوجاعها على صفحات الذاكرة ،وهي تقبع في ركن الأنين، تسجل بقايا الحلم، وترنو الى عمق الهاوية، وروحها تحترق كالشمعة الباكية إلى حد الإطفاء،حينها تنهدت زهرة السهوب وقالت:
لم أكن يوما أدري أني لا أدري، ولم أكن منشغلة بما يدور حولي، ألهو وأمرح، أتعب وأرتاح، تنقضي أوقاتي بين الجد واللعب ، إلى أن استفقت على اصوات متداخلة تنبعث من داخلي نحو سمعي وفؤادي، فحاولت أن أفهم نفسي، أو أفسر دواعي حيرتي، لكنني فشلت.. فشلت وازداد يأسي، فتَشت بين أهداب الغسق عن ظلٍ لا يخشى النهار، غرقت في أمس وبحار ماضينا المنهار، إنه أمر غريب غامض غير مفهوم. كيف صرت وحيدة غريبةٌ في هذه السهوب الشاسعة، التي كانت بالأمس تفيض خيرا، وتمتلئ بالخيرين. كيف حل هذا اليوم المجنون..يسحب عاصفة ثلج تلبس الارض بياضا وسيول مطر تغمر المعابر والممرات وسماء شهلاء، وأفق عابس...غابت الشمس ولم يطل القمر، وجدت نفسي وحيدةٌ أنا أجر قدمي في إحدى شوارع السهوب، شاردة الذهن نصف غائبة، وفي صدري ألم يجتاحني، يتجمع رويداً رويداً، لتضخه عروقي في مفاصلي المتزاحمة، فتهتز كبداية بركانٍ خامد أخذ يثور ويفور، يتنفس فتتراجع قوته ككل مرة وتخور، لأن براكين الذهول غالبا ما تدمر نفسها عندما تثور ويكون صاحبها أول ضحايا طوفان حممها...كان عزائي في كل ذلك دموعٍا أبتلعها عند ساعة الصفر.
أردت الخلود لنفسي فتهت كالخلد في متاهات يأسي ،تساءلت وتساءلت.. لماذا هذا التحول في حياتي ؟لماذا لم تمهلني الأيام ولم تسمح لي بالتخلص من الغضب الذي ما فتئ يخنقني وينغص فرحة ايامي؟
أحسست بنسيم بارد يحمل معه رداد موج البحيرة يلامس بشرتي ويشوش شعري ومشاعري. ويغازل سمعي كما بفعل الساحر أمام مجنون يغط في غيبوبة الروح. لم أعد أفهم ما يدور في ساحتي وما يجول بخاطري، سيول من المفاهيم وكم من الكلمات العاجزة عن رصف المعاني، ربما لم يكتمل مسار هبوبي لوطن غاب قبل التاريخ، كان ذو حضارة قبل أن تفسدها أكاذيبك العصرنة المهجنة ..فابتلعته الحضارة الحالية، حضارة لا يمكنها صياغة مبادئها، فأنى لها أن تسبك واقعا جميلا أو تصوغ قيما والقابا ًوأسماءً ومسميات تعرف بهم الإنسان وحاجة طبيعته البشرية؟.
حضارة ركيكة تائهة، كسفينة في خضم المحيط انتحر قبطانها الوحيد، فارتعب كل من عليها وتجاذبوا مقودها في جميع الاتجاهات لتتداعى اركانها وتتبعثر أشلاؤها العظيمة التي شيدها عبر تاريخٍ طويل، عظماء وزعماء وملايين الأبطال الشهداء، ليسقط الجميع مع الحطام في ظلام البحر وظلمه ،أجساما هامدة وتقاذفها أمواجه العاتية ،ولا يحترم تلك العقول النيّرة التي صاغتها حرفاً حرفاً، وكلمةً كلمة، وفكرة فكرة.
الفرد الفرد في هذا الزمان يذوب كحبات البرد في بوتقة انغلاق المجتمع، ليدرس الجميع كالتبن ويهرس، ويعاد تكوينه كأنما هو اعوجاج وجب تقويمه؟.
الجميع يتأقلم ويتفاعل مع الجميع دون روية وتمحيص، لماذا يجب أن نسحَق..؟ هذا هو العهر الذي تعيشه أمتي .صورة تعبر لك عن حجم القهر والإحباط والمعاناة التي يعيشها الناس وأصحاب الشهادات على اختلاف تخصصاتهم ودولهم، الذين يبحثون عن عمل أو فرصة أفضل مما لديهم من وظائف ورواتب تعيسة، رغم أن حجم الاحتياطات والصناديق السيادية العربية، تعرب نفسها وتقول ما هذا الظلم والإجحاف بحق الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج! مندهشة من عدد المليونيرات العرب وحجم ممتلكاتهم وثرواتهم هنا وهتاك، وتتساءل "أين مسؤولياتهم الأخلاقية والاجتماعية ؟ هل يعرف هؤلاء الحكام حجم الدمار الاجتماعي والاقتصادي الشامل ؟، وهل...؟ وهل....؟ ،كل ذلك، أمام صمت رهيب وانشغال الكل بحسابات مغلوطة، خوفا من شبه الجوعٍ أو كارثة طارئة، كزلزال أو حرب مدمرة، رعبٍ جحظت له عيوننا المذعورة ، وعيونهم العمشاء.
استفقت من ذهولي...فإذا بحبيبي يصعقنا بسؤال كبير كأنه عاش معي معاناتي، أو قرأ صفحة أيامي تلك:
لماذا لا نفكر فيما تقودنا إليه هذه العقول المريضة ؟
وبعد تمحيص السؤال وتمعن ملامح حبيبي توصلت إلى استخلاص الاجابة وقلت: في كل حركة خطأ وصواب، ولكل حراك إنساني إجا بياتها وسلبياتها، لماذا نلقي بكل خطايانا على عاتق غيرنا، وننفض أيدينا ونبرئ انفسنا من تهمة صنع مانحن فيه؟ لقد وظف غيرنا كل ما يملك من مهارات وابداعات فتجاوز السلبيات واستقر في مستوى منافعه، وحدث الانبهار بالنموذج الغربي، وغابت أشكال الطموح المُبتغى للنموذج العربي المنشود.تبنوا عولمة الخيرات فحفظنا عنهم عولمة العنف، حتى تجردنا من مشاعرنا وصرنا آلاتٍ تتحرك حسب ارادتهم، اعتمدوا المبادرة وتشبتنا بتقليدهم، نزعنا زينا وارتدينا زيف زيهم...
تحدثنا معهم عن المثل، عن الحرية، عن الديمقراطية، عن حقوق الانسان،... دون أن نتحرك قيد انملة لتطبيقها، بل ازددنا قيودٍا وتخلينا عن الدفاع عن أفكارنا، ومعتقداتنا مستسلمين، والفعلٍ عندنا صار مفقودا، ومجتمعنا أضحى مسكناً للمتضادات الفوضوية، التي تولد اصطداماتها إنساناً تثقل كاهله بالحزن ومظاهر الحرمان، أنسان لا يعترف بالأخوة ولا يعرف الحب، لا يشعر بالسعادة ولا ينعم بالهناء، ولا يراعي للحياة قيمتها، فضعنا و انمحى ماضينا، تهنا في غياهب الصمت ولم نبلغ مرامينا.
هز حبيبي راسه مصدقا لما سمع من الإجابات، وانصرفت معه إلى عالم أخر حيث نستريح ، حيث الوضوح التام، والعدل المطلق ،وعدالة ما فوقها عدالة.
•-ذبہحہنہي غہلآكـہ -• ; توقيع العضو |
|